
وتستمر حكاية نواف:
[انقضت فترة شهور قبل ان تحين لحظة دخولي إلى السعودية مهربا للقات ولنفسي معه، وشاركت في اكثر من عملية تهريب للقات لأجل التعرف على الطريق والمنطقة إلى أن يحين موعد الهروب النهائي، وفي البداية داخلني الخوف وخصوصا وكنت سمعت حكايات عن الذين ألقي القبض عليهم من قبل حرس الحدود ومنهم من لقي حتفه ومات لكن قطعت التردد وقررت المضي في المغامرة هروبا من أشياء كثيرة كما ان الحياة البدائية التي نعيشها هنا أثرت كثيرا في نفسيتي فنومنا وقضاء حاجتنا الطبيعية تتم مثل أجدادنا الحميريين والطعام قيمته بالريال السعودي وكان سعر النفر الفاصوليا في بداية حياتي يسبب لي الإسهال والإسهال بدوره في هذه المنطقة اوسخ مرض يصيب بني آدم.
واقترب اليوم الموعود وزادت هواجسي ومخاوفي وقبل النوم كنت أتخيل ماذا سيكون وقع خبر وفاتي او سجني على أهلي وأقاربي وخصوصا قلوب العرائس المنتظرة عودتي محشوا بالزلط، ورأيت نفسي في المنام عدة مرات ميتا مرميا في حيد تأكلني الكلاب والوحوش والنسور وكم فزيت من النوم مرعوبا. وكدت أعتذر عن فكرة المشاركة في تهريب القات مقتنعا ببيعه في بقعتي حيث انا وكفى الله المقوتين القتل والاعتقال لكن حقيقة ان العمل في هذه المنطقة النائية لن تحقق الاحلام والاماني قد جعلني أستسلم تدريحيا واتجهز نفسيا لدخول مغامرة التهريب القاتي والبشري مقررا في نفسي اني لو نجحت ودخلت لن أعود إلى صعدة وسوف اواصل المسيرة إلى الداخل وأعمل في أي عمل أجده ولو كان تنظيف الحمامات المهم اصير مغترب وأصير اخي المغترب وأتابع برنامج نوح الطيور وأحلم بيوم عودتي إلى أهلي وبيتي محملا بالهدايا والفلوس والناس ينظرون لي بحسد وطمع وكلهم يحيطون بي مرحبين بعودة المغترب].
انتهت حكاية نواف إلى هذا الحد، وقبل أيام من الموعد المحدد لهروبه اشترى ورقا مسطرا وكتب فيها سطور اشبه بوصية في حالة وقوع المقدور عند دخوله السعودية مهربا للقات ومهربا لنفسه، وطلب مني تسليمها لشخص ذكر لي اسمه ولكن بعد مرور يومين، وانتظرت إلى ان جاءت السيارة وسلمتها للسايق ونبهت عليه ألا يسلمها للوالد إلا إذا وقع المقدور وتأكد خبر وفاته أو اعتقاله في السعودية وسلمته مع الرسالة مبلغ كبير من المال كان هو معظم ما يمتلكه نواف بعد أن احتفظ فقط بمبلغ ينفع في عملية التهريب كما نصحه زميل خوفا من أن يتعرض للسرقة من قبل قطاع طرق او حرس الحدود.
لا يعلم أحد مصير نواف صاحب القصة، وتأكدنا أنه لن يعود بعد أسابيع من عدم عودته من عملية تهريب القات إلى داخل المناطق السعودية وعدم وجود أي معلومة عنه إلا ما قاله زملاؤه في القافلة أنهم اكتشفوا في لحظة ما أنهم غير موجود معهم لكن أين اختفى وأين ذهب فلا يوجد أي خبر.. واضطروا بعد إتمام العملية أن يبقوا فترة صعبة خوف القبض عليهم وهم يبحثون عنه إلى أن اقتنعوا أنه تركهم وتسلل إلى مناطق بعيدة داخل السعودية. وتحير سايق السيارة كيف يوصل الرسائل إلى والد نواف وماذا يقول له لكن راجح طلب منه تسليم المصاريف فقط وإخبارهم أن إبنهم سيتواصل معهم مباشرة لأنه أي السايق ترك العمل مع المنظمة نهائيا.
ورغم انشغالي بحالي إلا اني ظليت أسأل عنه كلما جئت للمقوات أملا في أن يعود ولو مرحلا لكن الشهور توالت وتلاشى الأمل في عودته دون أن ندري هل نجح في ان تحقيق حلمه أن يصير اخي المغترب أو أنه لقي حتفه في مكان ما قد يكون جبلا او واديا، ومن سوء الحظ أنني لم أعد أرى سايق السيارة لاختلاف وقت وصوله مع تواجدي في السوق، وكم حاولت أن ألقاه لكن بلا فائدة وطوى الزمن والأحداث قصة نواف لكني ظليت أتذكر قصته التي هي قصة ملايين من اليمنيين في بلاد الشتات والهجرة والموت والفراق.