
بقلم: خالد عبدالله
الراتب ليس مجرد رزمة أوراق يستلمها الموظف في آخر الشهر، ولكنه سلاح فعال بيد الرجل ويلعب دورا مؤثرا في موازين القوى داخل اسرة الموظف، ذلك ان الموظف عندما يستلم راتبه فإنه يعود الى البيت كجندي روماني عاد بغنائم حرب الألف العام، لكن عندما يتوقف عنه ذلك الراتب فهو في نظر افراد اسرته الكريمة خاصة زوجته مجرد بقرة مكسورة داخل البيت تنتظر من يحشي فمها بالعلف.
وبناء على ذلك فإن التوقف عن صرف الرواتب لم يكن سوى حرب من حروب كثيرة تم شنها وشنشنتها ضد المواطن اليمني لكي يصبح حتيف نتيف لا مشدة ولا رديف، ويكون العنصر الاضعف في معادلة الصراع داخل اسرته، بسبب اختلال موازين القوى، فتطلق الزوجة على زوجها قذائف كلامية تنتمي الى سلاح الدمار الشامل، ولم يكن امام الزوج سوى الاستسلام للأمر الواقع، لأنه ليس باليد حيلة، ولا ينفع زامل ولا شيلة.
عاش الموظفون الحكوميون لسنوات محدودة كان للراتب قيمته وكانوا يشكلون مراكز النفوذ والقوة في مجتمعاتهم، لكن قبل الحرب بسنوات كانت التوجيهات العليا تقتضي ان يكون الراتب قليلا جدا، وان يتم توزيع الموظفين كلا في مكان بعيد عن مكان إقامته، لكي يصرف راتبه تكاليف مواصلات، وجعل الموظف يعيش حالة من الطفش والنكد لكي لا يفكر الناس بالوظيفة الحكومية، ويدبروا حالهم في الارصفة وحراجات العمال والتسول في المساجد والسرقة وغير ذلك من الاعمال الاجرامية وغير الاجرامية للتخفيف على الميزانية اعباء الرواتب والتوظيف، وترك موارد البلاد للمسؤولين وابنائهم واحفادهم الكبار والصغار والذكور والاناث والاحياء منهم والحيات.
لكن بعد الحرب صدرت توجيهات عليا جدا جدا بوقف صرف الرواتب نهائيا، لان من صار يحكم في الاساس جاوع من بيته، وتعود على الفيد واللصوصية ليسد رمقه، لأنه بلا مؤهلات علمية ولا يجيد حرف يدوية وكان اشطر واحد بينهم يشتغل مقوت، لكن بسبب ضعفه في الرياضيات كان لصوص القات يغالطونه وهو يضحك ولا يدري طبيعة المؤامرات على قاته.
كانت البداية من تشكيل لجنة لمكافحة الرواتب، والتي بدورها عقدت اجتماعات مستفيضة حول طريقة توزيع الرواتب المنهوبة لقيادات المليشيات، على ان تصرف للموظفين زوامل وصرخة ورنج اخضر وشعارات ولافتات ونصف راتب كل ستة اشهر ومدونة سلوك وظيفي ودورة طائفية يذهب اليها وهو مربوط العينين ويدخلونه في بدروم لا يدري اين هو وغير متأكد هل سيعود الى اطفاله ام سيأكله الجن والعفاريت؟!
بعد ذلك تم اتخاذ اجراءات كثيرة للتعامل مع الرواتب، فالذي يطالب براتبه داعشي ومؤيد للعدوان ومتهم بخيانة الوطن ولا يحترم خطابات السيد ولا يقدر ملازم الشهيد القائد، ووصل الامر لاقناع الموظف بأن الفلوس وسخ الدنيا بعد ان صارت عفنة ومقطعة، وبالتالي فالمسيرة الشيطانية تحرص على نظافة يد الموظف من ان تلمس راتبا متسخا خوفا على صحته، خاصة ان المستشفيات صارت خراب والمشعوذين والمقذيات عادهم ما وزعوهم على المدن والقرى.
كما ان قطع الرواتب صار معيارا لاختبار الوطنية، فالموظف الذي يؤدي عمله بدون راتب ولا يطالب بالراتب فهو مخلص للوطن ويقف ضد العدوان وغير داعشي، وسيكون وطنيا اكثر اذا تنازل عن اي املاك ورثها من والده مثل ارض وغيرها وان يسلمها لمشرف حوثي طواعية، واذا اعترض فهو داعشي ومؤيد للعدوان ويستحق السجن والبهذلة والاخفاء القسري والمحاكمة مرة كل ستة اشهر بدلا من صرف نصف راتب كل ستة اشهر.